الخميس، 11 أغسطس 2011

أمور تعين على التقوى




والأمور التي تحصل بها التقوى، قد يُجمع في خمسة:

الأمر الأول: مراقبة الله عز وجل في السر والعلن، فاجعل من الله رقيباً عليك في سرِّك وعلانيتك، فإنه سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية.

هو معك أينما كنت، فهو مع الكافر والفاجر، معية إحاطة، وإدراك، ورصد.

وهو مع المؤمن معية نصر، وتأييد، وحفظ.

ولذلك اتق الله الذي هو معك: ((الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)). فاجعل منه رقيباً سبحانه وتعالى واعبده كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك، وهذا تعريف الإحسان الذي عرَّفه به محمد صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل الطويل.

واعلم، أن الرقابة من أعظم ما يمكن أن يحقق التقوى في القلب. أن تراقب الله خاصة في السر؛ لأن كثيراً من الناس يراقبون الله في العلانية، وإذا خلوا في السر هتكوا حُرمات الله، ولعبوا بحدود الله، فويلهم من الله، ولذلك في الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليأتين أقوام يوم القيامة بحسنات كجبال تهامة يجعلها الله هباءً منثوراً.

 قالوا: يا رسول الله أليسوا بمسلمين هؤلاء؟

قال: بلى مسلمون يصلون كما تصلون، ويصومون كما تصومون، ولهم حظ في الليل، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) (1) .

فهؤلاء يجعل الله أعمالهم يوم القيامة هباء منثوراً، ويوردهم موارد الضالين، نعوذ بالله من ذلك.

كان ابن مسعود رضي الله عنه، يقول: [الله الله في السرائر].

ويقول الأندلسي يوصي ابنه:

 وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان

فاستحيي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني

الأمر الثاني: ذكر الله دائماً وأبداً: ((أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)): ((فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)): ((وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ)): ((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ)).

وقال سبحانه: ((إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)). فذكر الله أكبر من كل شيء وهو أعظم ما يحصِّله العبد.

فالله الله في ذكر الله.

 سُئل ابن تيمية شيخ الإسلام رحمة الله عليه عن أعظم وصية وأعظم عمل بعد الفرائض.

قال: أما أعظم وصية فلا أعظم من وصية الله للأولين والآخرين وهي تقوى الله، وهي التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم جيوشه ورسله عندما كان يرسلهم، كـمعاذ حينما قال له الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الترمذي : (اتق الله حيث ما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) (1) .

وأما أعظم عمل فلا أعلم بعد الفرائض من ذكر الله عز وجل.

فليكن ذكر الله وردك أخي المسلم دائماً وأبداً.

اذكر الله جالساً، وقائماً، وعلى جنبك، وفي سفرك، وفي حلِّك، وفي ترحالك، وفي ليلك وفي نهارك، ليتولاك الله، وليشرح صدرك للإسلام، ويحبب لك الطاعة، ويكفر عنك سيئاتك، وليجتبيك سبحانه وتعالى، وليلهمك رشدك، وليبصرك بحقائق هذا الدين، وليجعلك من الأخيار الأبرار.

فعليك بذكر الله دائماً وأبداً.

الأمر الثالث: تدبَّر كتاب الله عز وجل.

فأوصيكم، وأوصي كل مسلم، وأوصي نفسي، أولاً بتدبر كتاب الله عز وجل، هذا الكتاب الخالد الذي أنزله الله شفاء، وهداية، ونوراً.

أن نتدبره، وأن نجعل لنا ورداً يومياً نقرأه، وحزباً لا يمكن أن نغادره.

 قال عزَّ من قائل: ((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)) ما لهم لا يتدبرون القرآن؟

ما لهم لا يتفهمون حقائق القرآن؟

ليعرفوا الحق من الباطل والرشد من الغي والضلال من الهداية.

وقال عزَّ مِن قائل: ((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا))، وقال تبارك وتعالى: ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)).

فأوصي نفسي وإياكم بتدبر كتاب الله، ثم قراءة السنَّة المطهرة، والسيرة الخالدة، سيرة محمد صلى الله عليه وسلم، وكتب السنة كلها سيرة.

ومن أحسن ما كتب في السيرة كتاب: ( زاد المعاد ) لابن القيم رحمه الله فليُتدبر.

الأمر الرابع: كثرة الدعاء.

فعلينا أن نضرع لله بالدعاء، يقول عزَّ من قائل: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)).

فالدعاء دائماً وأبداً.

((ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)).

قيل لـعمر رضي الله عنه وأرضاه: [ما هي النجاة؟

قال: ما أعلم بعد رحمة الله كالدعاء].

فالدعاء هو النجاة بإذن الله، خاصة إذا صاحب الأوقات الفاضلة كأدبار الصلوات، وفي السجود، وبين الأذان والإقامة، وفي آخر الليل، وآخر ساعة من الجمعة، ويوم عرفة، والأيام الفاضلة المشهودة.

 الأمر الخامس: صحبة الصالحين، وزيارتهم، ومحبتهم، والاستئناس برؤياهم.

كيف يتقي الله من يُجالس الفَجَرة؟ .

كيف يتقي الله من يحب المفسدين في الأرض؟

كيف يتقي الله من وقته ضائع مع كل مُعرِض عن الله؟

فالله الله في محبة الصالحين، وفي الاستفادة منهم، والجلوس معهم، وفي طلب دعائهم، فإنه من أعظم العون في الدنيا والآخرة على التقوى.

أسأل الله تعالى لي ولكم أن يوفقنا للتقوى، والعمل الصالح، وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق